الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (20- 21): الوسوسة الحديث في اختفاء همساً وسراراً من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معناه الآن، وأما مع أدم فممكن أن تكون وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤبة: [الرجز] ***وسوس يدعو جاهراً رب الفلق ** فهذه عبارة عن كلام خفي، و{الشيطان} يراد به إبليس نفسه، واختلف نقلة القصص في صورة وسوسته فروي أنه كان يدخل إلى الجنة في فم الحية مستخفياً بزعمه فيتمكن من الوسوسة، وروي أن آدم وحواء كانا يخرجان خارج الجنة فيتمكن إبليس منهما، وروي أن الله أقدره على الإلقاء في أنفسهما فأغواهما وهو في الأرض. قال القاضي أبومحمد: وهذا قول ضعيف يرده لفظ القرآن، واللام في قوله: {ليبدي} هي على قول كثير من المؤلفين لام الصيرورة والعاقبة، وهذا بحسب آدم وحواء وبحسب إبليس في هذه العقوبة المخصوصة لأنه لم يكن له علم بها فيقصدها. قال القاضي أبو محمد: ويمكن أن تكون لام كي على بابها بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتهما وإلقائهما في العقوبة غير مخصصة، و{ما ووري} معناه ماستر، من قولك وارى يواري إذ ستر، وظاهر هذا اللفظ أنها مفاعلة من واحد، ويمكن أن تقدر من اثنين لأن الشيء الذي يوارى هو أيضاً من جهة، وقرأ ابن وثاب ما وري بواو واحدة، وقال قوم: إن هذه اللفظة في هذه الآية مأخوذة من وراء. قال القاضي أبو محمد: وهو قول يوهنه التصريف، والسوأة الفرج والدبر، ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء، وقرأ الحسن ومجاهد من {سوّتهما} بالإفراد وتسهيل الهمزة وشد الواو، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحسن والزهري: {سوّتهما} بالإفراد وتسهيل الهمزة وتشديد الواو وحكاها سيبويه لغة، قال أبو الفتح: ووجهها حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو، فيقولون سوة ومنهم من يشدد الواو، وقالت طائفة إن هذه العبارة إنما قصد بها أنهما كشفت لهما معانيهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة. قال القاضي أبو محمد: وهذا قول كان اللفظ يحتمله إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في {عليهما} [الآية: 22] عائداً على بدنيهما إذا تمزقت عنهما ثياب الجنة، فيصح القول المذكور. وقوله تعالى: {وقال ما نهاكما} الآية هذا القول الذي حكي عن إبليس يدخله من هذا التأويل ما دخل الوسوسة، فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحواراً، وممكن أن يقول إلقاء في النفس ووحياً و{إلا أن} تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية أن، وتقديره عند الكوفيين إلا أن لا على إضمار لا. قال القاضي أبو محمد: ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء أحسن من إضماء الحروف، وقرأ جمهور الناس {ملَكين} بفتح اللام وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحال {مِلكين} بكسر اللام، ويؤيد هذه القراءة قوله في آية أخرى {وملك لا يبلى} [طه: 120]. قال القاضي أبو محمد: وقال بعض الناس: يخرج من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسألة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد الله، وقال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا تكون لهما شهوة في طعام، {وقاسمهما} أي حلف لهما باله وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعطي أنها من واحد، ومثله قول الهذلي: وروي في القصص أن آدم قال في جملة اعتذاره: ما ظننت يا رب أن أحداً يحلف حانثاً، فقال بعض العلماء خدع الشيطان آدم بالله عز وجل فانخدع، ونحن من خدعنا بالله عز وجل انخدعنا له، وروي نحوه عن قتادة، واللام في قوله: {لكما} متعلقة بالناصحين، فقال بعض الناس مكي وغيره: ذلك على أن تكون الألف واللام لتعريف الجنس لا بمعنى الذي، لأنها إذا كانت بمعنى الذي كان قوله: {لكما} داخلاً في الصلة فلا يجوز تقديمه، وأظن أن أبا علي الفارسي خرج جواز تقديمه وهي بمعنى الذي، والظاهر أنه إن جعلت بمعنى الذي كانت اللام في قوله: {لكما} متعلقة بمحذوف تقديره إني ناصح لكما من الناصحين، وقال أبو العالية في بعض القراءة {وقاسمهما بالله}. .تفسير الآيات (22- 23): {فدلاهما بغرور} يريد فغرهما بقوله وخدعهما بمكره. قال القاضي أبو محمد: ويشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد أرم أو بسبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به فهلك، فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلى في هوة بسبب ضعيف، وعلق حكم العقوبة بالذوق إذ هو أول الأكل وبه يرتكب النهي، وفي آية أخرى {فأكلا منها} [طه: 121]. وقوله تعالى: {بدت} قيل تخرقت عنهما ثياب الجنة وملابسها وتطايرت تبرياً منهما، وقال وهب بن منبه كان عليهما نور يستر عورة كل واحد منهما فانقشع بالمعصية ذلك النور، وقال ابن عباس وقتادة: كان عليهما ظفر كاسٍ فلما عصيا تقلص عنهما فبدت سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المعصية فيجددان الندم، {وطفقا} معناه أخذا وجعلا وهو فعل لا يختص بوقت كبات وظل. و{يخصفان} معناه يلصقانها ويضمان بعضها إلى بعض، والمخصف الإشفى، وضم الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة، وقرأ جمهور الناس {يَخصفان} من خصف وقرأ عبد الله بن بريدة {يخصّفان} من خصف بشد الصاد وقرأ الزهري {يُخصفان} من أخصف، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب: {يَخَصِّفان} بفتح الياء والخاء وكسر الصاد وشدها، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وأصلها يختصفان كما تقول سمعت الحديث واستمتعته فأدغمت التاء في الصاد ونقلت حركتها إلى الخاء، وكذلك الأصل في القراءة بكسر الخاء بعد هذه، لكن لما سكنت التاء وأدغمت في الصاد اجتمع ساكنان فكسرت الخاء على عرف التقاء ساكنين، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد {يَخِصِّفان} بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد وشدها وقد تقدم تعليلها، قال ابن عباس: إن الورق الذي خصف منه ورق التين، وروى أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه نخلة سحوق، فلما واقع المعصية وبدت له حاله فرّ على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه يقال إنها الزيتونة فقال لها: أرسليني فقالت ما أنا بمرسلتك، فناداه ربه أمني تفر يا آدم؟ قال لا يا رب، ولكن أستحييك، قال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال بلى يا رب، ولكن وعزتك ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّاً. قوله تعالى: {وناداهما} الآية، قال الجمهور إن هذا النداء نداء وحي بواسطة، ويؤيد ذلك أنّا نتلقى من الشرع ان موسى عليه السلام هو الذي خصص بين العالم بالكلام، وأيضاً ففي حديث الشفاعة أن بني آدم المؤمنين، يقولون لموسى يوم القيامة أنت خصك الله بكلامه واصطفاك برسالته اذهب فاشفع للناس، وهذا ظاهره أنه مخصص، وقالت فرقة بل هو نداء تكليم. قال القاضي أبو محمد: وحجة هذا المذهب أنه وقع في أول ورقة من تاريخ ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال نبي مكلم، وأيضاً فإن موسى خصص بين البشر الساكنين في الأرض وأما آدم إذ كان في الجنة فكان في غير رتبة سكان الأرض، فليس في تكليمه ما يفسد تخصيص موسى عليه السلام، ويؤيد أنه نداء وحي اشتراك حواء فيه، ولم يرو قط أن الله عز وجل كلم حواء، ويتأول قوله عليه السلام «نبي مكلَّم» أنه بمعنى موصل إليه كلام الله تعالى، وقوله عز وجل {الم أنهكما} سؤال تقرير يتضمن التوبيخ، وقوله: {تلكما} يؤيد بحسب ظاهر اللفظ أنه إنما أشار إلى شخص شجرة، {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} إشارة إلى الآية التي في سورة طه في قوله: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: 117]. قال القاضي أبو محمد: وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يجعل النسيان على بابه، وقرأ أبيّ بن كعب {ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما}، وقولهما {ربنا ظلمنا أنفسنا} اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة، فطلب آدم هذا وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى رأيه، قال الضحاك هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه. .تفسير الآيات (24- 26): المخاطبة بقوله: {اهبطوا} قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم: هي لآدم وحواء وإبليس والحية، وقالت فرقة: هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته. قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت، فإن قيل خاطبهم وأمرهم بشرط الوجود فذلك يبعد في هذه النازلة لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده وصح معناه عليه كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بنى آدم بعد وجودهم ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء، وأما قوله في آية أخرى {اهبطا} [طه: 123] فهي مخاطبة لآدم وإبليس بدليل بيانه العداوة بينهما، وعدو فرد بمعنى الجمع، تقول قوم عدو وقوم صديق، ومنه قول الشاعر: وعداوة الحياة معروفة، وروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما سالمناهن منذ حاربناهن»، وقال عبد الله بن عمر: من تركهن فليس منا، وقالت عائشة من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قال القاضي أبو محمد: وإنما يعرض في أمرهن حديث الفتى في غزوة الخندق، وقول النبي عليه السلام: إن جناً بالمدينة قد أسلموا فمن رأى من هذه الحيات شيئاً في بيته فليحرج عليه ثلاثاً فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر. وقوله تعالى: {مستقر} لفظ عام لزمن الحياة ولزمن الإقامة في القبور، وبزمن الحياة فسر أبو العالية وقال: هي كقوله: {الذي جعل لكم الأرض فراشاً} [البقرة: 22] وبالإقامة في القبور فسر ابن عباس واللفظ يعمهما فهي كقوله: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً} [المرسلات: 25] وأما المتاع فهو بحسب شخص شخص، في زمن الحياة اللهم إلا أن يقدر سكنى القبر متاعاً بوجه ما، والمتاع التمتع والنيل من الفوائد، و{إلى حين} هو بحسب الجملة قيام الساعة، وبحسب مفرد بلوغ الأجل والموت، والحين في كلام العرب الوقت غير معين. وروي أن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء بجدة، وتمناها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، ولقيها بجمع وأهبط إبليس بميسان وقيل بالبصرة وقيل بمصر فباض فيها وفرخ، قال ابن عمر وبسط إبليس فيها عبقرية، وذكر صالح مولى التؤمة قال في بعض الكتب لما أهبط إبليس قال رب أين مسكني؟ قال مسكنك الحمام ومجلسك الأسواق ولهوك المزامير وطعامك مالم يذكر عليه اسمي وشرابك المسكر، ورسلك الشهوات وحبائلك النساء. وأهبطت الحية بأصبهان. وروي أنها كانت ذات قوائم كالبعير فعوقبت بأن ردت تنساب على بطنها، وروي أن آدم لما أهبط إلى شقاء الدنيا علم صنعة الحديد ثم علم الحرث فحرث وسقى وحصد وذرا وطحن وعجن وخبز وطبخ وأكل فلم يبلغ إلى ذلك حتى بلغ من الجهد ما شاء الله، وروي أن حواء قيل لها يا حواء كما دميت الشجرة فأنت تدمين في كل شهر وأنت لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً، قال فرنت عند ذلك فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك. قال القاضي أبو محمد: وفي هذه القصة من الأنباء كثير اختصرتها إذ لا يقتضيها اللفظ. وقوله تعالى: {فيها تحيون} الآية، حكم من الله عز وجل أمضاه وجعله حتماً في رقاب العباد يحيون في الأرض ويموتون فيها ويبعثون منها إلى الحشر أحياء كما أنشأ أول خلق يعيده، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو {تُخرَجون} بضم التاء وفتح الراء هنا، وفي الروم و{كذلك تُخرَجون ومن آياته} [الآية: 19] وكذلك حيث تكرر إلا في الروم {إذا أنتم تَخرُجون} [الآية: 25] وفي سأل سائل {يوم يخرجون} [الآية: 43] فإن هذين بفتح التاء والياء وضم الراء، ولم يختلف الناس فيهما، وقرأ حمزة والكسائي في الأعراف {ومنها تَخرُجون} [الآية: 25] بفتح التاء وضم الراء وفتح ابن عامر التاء في الأعراف وضمها في الباقي. وقوله تعالى: {يا بني آدم} الآية، هذا خطاب لجميع الأمم وقت النبي عليه السلام والسبب والمراد قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت، ذكر النقاش ثقيفاً وخزاعة وبني عامر بن صعصعة ونبي مدلج وعامراً والحارث ابني عبد مناف فإنها كانت عادتهم رجالاً ونساءً، وذلك غاية العار والعصيان، قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع الآيات، وقوله: {أنزلنا} يحتمل أن التدريج أي لما أنزلنا المطر فكان عنه جميع ما يلبس، قال عن اللباس أنزلنا، وهذا نحو قول الشاعر يصف مطراً. أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة ب {أنزلنا} كقوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس} [الحديد: 25] وقوله: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] وأيضاً فخلق الله عز وجل وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة، و{لباساً} عام في جميع ما يلبس، و{يوراي} يستر، وفي حرف أبيّ {سوءاتكم وزينة ولبس التقوى} وفي مصحف ابن مسعود {ولباس التقوى خير ذلكم}، ويروى عنه ذلك، وسقطت {ذلك} الأولى، وقرأ سكن النحوي {ولبوسُ التقوى} بالواو مرفوعة السين، وقرأ الجمهور من الناس {وريشاً} وقرأ الحسن وزر بن حبيش وعاصم فيما روى عنه أبو عمرو أيضاً، وابن عباس وأبو عبد الرحمن ومجاهد وأبو رجاء وزيد بن علي وعلي بن الحسين وقتادة {ورياشاً}، قال أبو الفتح: وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو حاتم: رواها عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود الملبس والتمتع، وفسره قوم بالأثاث، وفسره ابن عباس بالمال، وكذلك قال السدي والضحاك، وقال ابن زيد {الريش} الجمال، وقيل {الرياش} جمع ريش كبير وبئار وذيب وذياب ولصب ولصاب وشعب وشعاب وقيل الرياش مصدر من أراشه الله يريشه إذا أنعم عليه، والريش مصدر أيضاً من ذلك وفي الحديث «رجل راشه الله مالاً». قال القاضي أبو محمد: ويشبه أن هذا كله من معنى ريش الطائر وريش السهم إذ هو لباسه وسترته وعونه على النفوذ، وراش الله مأخوذ من ذلك، ألا ترى أنها تقرن ببرى ومن ذلك قول الشاعر: [لعمير بن حباب] وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {ولباسَ} بالنصب عطفاً على ما تقدم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة {ولباسُ} بالرفع فقيل هو خبر ابتداء مضمر تقديره وهو لباس، وقيل هو مبتدأ و{ذلك} مبتدأ آخر و{خير} خبر {ذلك}، والجملة خبر الأول، وقيل هو مبتدأ و{خير} خبره و{ذلك} بدل أو عطف بيان أو صفة، وهذا أنبل الأقوال ذكره أبو علي في الحجة. وقوله: {ذلك من آيات الله} إشارة إلى جميع ما أنزل من اللباس والريش، وحكى النقاش أن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية علامة وأمارة من الله أنه قد رضي عنه ورحمه، و{لعلهم} ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقال ابن جريج {لباس التقوى} الإيمان، وقال معبد الجهني: هو الحياء، وقال ابن عباس هو العمل الصالح، وقال أيضاً، هو السمت الحسن في الوجه، وقاله عثمان بن عفان على المنبر، وقال عروة بن الزبير هو خشية الله، وقال ابن زيد هو سترة العورة، وقيل {لباس التقوى} الصوف وكل ما فيه تواضع لله عز وجل، وقال الحسن: هو الورع والسمت والحسن في الدنيا، وقال ابن عباس {لباس التقوى} العفة، وقال زيد بن علي {لباس التقوى} السلاح وآلة الجهاد. قال القاضي أبو محمد: وهذه كلها مثل وهي من {لباس التقوى}. قال القاضي أبو محمد: وتتصور الصفة التي حكاها أبو علي في قوله: {ذلك} لأن الأسماء توصف بمعنى الإشارة كما تقول جاءني زيد هذا كأنك قلت جاءني زيد المشار إليه فعلى هذه الحد توصف الأسماء بالمبهمات، وأما قوله فيه عطف بيان وبدل فهما واحد في اللفظ إنما الفرق بينهما في المعنى والمقصد وذلك أنك تريد في البدل كأنك أزلت الأول وأعملت العامل في الثاني على نية تكرار العامل، وتريد في عطف البيان كأنك أبقيت الأول وأعملت العامل في الثاني وإنما يبين الفرق بين البدل وعطف البيان في مسألة النداء إذا قلت يا عبد الله زيد فالبدل في هذه المسألة هو على هذا الحد برفع زيد لأنك تقدر إزالة عبد الله وإضافة يا إلى زيد ولو عطفت عطف البيان لقلت يا عبد الله زيد لأنك اردت بيانه ولم تقدر إزالة الأول وينشد هذا البيت: [الرجز] ويا نصر الأول على عطف البيان والثاني على البدل.
|